سورة الكهف - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


بورقكم: الورق بفتح الواو وكسر الراء، والورق باسكان الراء: الفضة، سواء كانت عملة أو غيرها. ازكى طعاما: اجود أو اطيب. وليتلطف: ليكن حذرا ومعاملته لطيفة. ولا يشعرن بكم احدا: لا يفعل ما يؤدي إلى كشف احوالهم. ان يظهروا عليكم: إن يطّلوا عليكم. وكذلك اعثرنا عليهم: كذلك كشفنا امرهم فاطلع عليهم أهل المدينة. رجما بالغيب: القول بدون علم.
وكما أنمناهم بعثناهم نم نومِهم، ليسأل بعضهُم بعضا عن مدة بقائهم نائمين. فقال احدهم: كم مكثتُم نائمين؟ قالوا: مكثنا يوماً أو بعض يوم. ثم احالوا العِلم إلى الله، فقالوا: الله أعلمُ بما لبثتم. وشعروا باحتياجهم إلى الطعام والشراب فقالوا: ابعثوا أحدكَم بدراهمكم الفضيّة إلى المدينة، فلْينظْر أي الاطعمة أشهى فليأتِنا برزق منه وليتلطف بالتخفيّ حتى لا يعرفه احد. وكانوا لا يعلمون أن ثلاثة قرونٍ قد مرّت عليهم وهم راقدون.
انهم ان يطّلعوا عليكم يقتلوكم رجماً بالحجارة، أو يعيدوكم إلى دينهم، ولن تفلحوا إذَنْ أبدا.
واطلعنا عليهم أهل المدينة ليعلم الناسُ أن وعدَ الله بالبعث حق، وان القيامة لا شك فيه. وآمن أهل المدينة بالله واليوم الآخر، ثم امات الله الفتية وتنازعَ الناس في شأنهم، فقال بعضهم: ابنُوا عليهم بنيانا ونتركهم وشأنهم، فربُّهم أعلمُ بحالهم. وقال الذين غلبوا على امرهم لنتخذنَّ على مكانهم مسجداً نعبد الله فيه.
قراءات:
قرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر: {بَورْقكم} بفتح الواو وسكون الراء. والباقون {بورِقِكم} بفتح الواو وكسر الراء.
{سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ...}.
لما ذكر الله القصة ونزاعَ المتخاصمين فيما بينهم، شرع يقصّ علينا ما دار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الخلاف في عدد اصحاب الكهف. سيقولُ فريق من الخائضين في قِصتّهم من أهل الكتاب: هم ثلاثةٌ رابعهم كلبهم، ويقول آخرون: هم خمسة سادسهم كلبهم، ظناً بدون يقين، ويقول آخرون هم سبعة وثامنهم كلبهم. قل يا محمد لهؤلاء المختلفين: ربي أعلمُ بعددهم، ولا يعلم حقيقته الا قليل من الناس أطلعَهم الله عليه، فلا تجادلْ في شأن الفتية الا جَدَلاً سهلاً ليّنا، ولا تستفتِ في شأنهم احدا، فقد جاءك الحق الذي لا مرية فيه.


{وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلك غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله}.
جاءت هاتان الآيتان معترضتين اثناء القصة فيهما ارشادٌ وتأديب للرسول الكريم، وتعليمٌ للمؤمنين بأن يفوّضوا الأمورَ كلّها إلى الله، بعد أن يتخذوا كل الاحتياطات، وان يقرِنوا قولهم بمشيئة الله علاّم الغيوب.
لا تقولن ايها الرسول لشيء تُقدمِ عليه وتهتم به: إني فاعل ذلك غداً أو بعد غد دون أن تقرِنَ قولك بمشيئة الله بان تقول: {إن شاءَ الله}. فاذا كان هذا الخطاب للرسول الكريم الذي قال: «أدّبني ربي فأحسنَ تأديبي» فنحن أَوْلى وألزم ان نلتزم بهذا الادب القرآني العظيم، ونشعر دائما اننا مع الله يوجّهنا إلى ما فيه الخير لنا ولأمتنا.
واذا نسيتَ امراً فتداركْ نفسك بذِكر الله، وقل عسى ان يوفقني ربي إلى امرٍ خير مما عزمتُ عليه وأرشدَ منه.
ثم بعد ذلك بين الله تعالى ما أجملَ في قوله: فضربْنا على آذانِهم في الكهف سنينَ عددا فقال: {وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وازدادوا تِسْعاً}. وثلاثمئة سنة وتسعٌ قمرية هي ثلاثمئة سنة شمسية، ولذلك جاء هذا النص مبينا حقيقة علمية لم تكن معروفة في ذلك الزمان.
قل أيها الرسول للناس: إن الله تعالى وحدَه هو الذي يعلم كم لبثوا في كهفهم وهو الذي يعلم ما غاب في السموات والارض. {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} ما اعظم بصره في كل موجود وما اعظم سمعه بكل مسموع، فهو لا يخفى لعيه شي. والله ولي امر هذا الخلق جميعهم، لا يُشرك في قضائه أحداً من خلقه، وليس له وزير ولا نصير ولا شريك.
قراءت:
قرأ حمزة والكسائي: ثلاثمئةِ سنين: بالاضافة، والباقون {ثلاثمئةٍ سنين} بتنوين مئة.


لا مبدل لكلماته: لا مغير لأحكامه. ملتحدا: ملجأ. واصبر نفسك: احبسها. بالغداة والعشي: في الصباح والمساء. يريدون وجهه: يطلبون رضاه. فرطا: مجاوزاً للحد. أعتدنا: هيأنا، اعددنا. السرادق: الخيمة، الفسطاط، كالمهل: خثارة الزيت، المعدن المذاب. مرتفقا: متكأ.
بعد أن ذكر الله قصة أهل الكهف، وبين ان هذا القرآن يقص الحق، لأنه وحي من علام الغيوب، أمَرَ بالمواظبة على تلاوته ودرسه، وبيّن في هذه الآية الكريمة، ان القيم الحقيقية ليست هي المالَ، ولا الجاه، ولا السُّلطة، ولا لذائذ الحياة ومتعها- فانها كلّها قيم زائفة- وان الإسلام لا يحرِّم الطيب منها، ولكنه لا يجعل منها غاية الحياة، فمن شاء ان يتمتع بها فليتمتع، ولكن لِيذكُرِ الله الذي انعم بها، وليشكرْه على نعمة بالعمل الصالح.
{واتل مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً..}
اتلُ ايها الرسول الكتابَ الذي اوحي اليك، والزم العمل به، واتّبع ما فيه من احكام وتعليم وتأديب. ولا يستطيع أحدٌ ان يغيّر أو يبدّل مافيه، وليس لك ملجأٌ الا الله، فإليه المرجع والمآب.
{واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم بالغداة والعشي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}.
احتفظ بصحابتك ايها الرسول، الذي يعبدون اللهَ وحده في الصباح والمساء، يطلبون رضوانه، وهم فقراءُ الصحابة مثل: عمار بن ياسر، وصهيب، وبلال وغيرهم، فقد روي أن عُيَيْنَةَ بن حصن الفَزاري والأقرعَ بن حابس وغيرَهم- جاءوا إلى الرسول الكريم، طلبوا منه ان يبعد هؤلاء الفقراءَ من الصحابة ليحادثوه ويسْلموا. فنزلت. ويقال إن أشرافَ قريش هم الذين طلبوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمره الله تعالى ان لا يتخلّى عن اصحابه، ولا يلتفت إلى هؤلاء وما عندَهم من قوةٍ وجاهٍ ورجال، فاللهُ أكبرُ من كل ما عندهم. وهذا الأصح لأن السورة مكية.
ثم امره بمراقبة أحوالهم ومجالسِهم فإن فيهم الخير فقال: {وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحياة الدنيا..}.
ولا يتحول اهتمامُك عنهم إلى مظاهر الحياة التي يستمتع بها أصحاب الزينة، فهذه زينةُ الحياة الدنيا الزائلة.
ثم اكد هذا النهي بقول: {وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتبع هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً}.
لا تطع هؤلاء المتكبرين فيما يطلبون من تمييزٍ بينهم وبين الفقراء، وطردِهم من مجلسك. فهؤلاء قد أغفلْنا قلوبَهم عن ذكرنا، واتجهوا إلى ذواتهم وإلى لذّاتهم، وشغلوا قلوبهم بزخرف الدنيا وزِينتها، وصار أمرُهم في جميعِ أعمالهم بعيداً عن الصواب. ولقد جاء الإسلام ليسوّي بين الناس امام الله، فلا تفاضل بينهم بمال ولا نسبٍ ولا جاه.
قراءات:
قرأ ابن عامر: {بالغدوة والعَشِيّ} والباقون: {بالغداة والعشي}.
{وَقُلِ الحق مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ...}.
بعد أن أمر اللهُ رسوله صلى الله عليه وسلم ان لا يلتفت لى قولِ أولئك الأغنياء الذين قالوا: إن طردتَ اولئك الفقراء منا بك، أمره ان يقول لهم ولغيرِهم على طريق التهديد والوعيد: إن ما جئتُ به هو الحقُّ من عند ربكم، فمن شاءَ أن يؤمن به فليؤمن، فذلك خير له، ومن شاء ان يكفر فليكفر، فانه لا يظلم الا نفسه. إن الله قد أعدّ لمن ظلم نفسه بالكفر نارا تحيط بهم كالسُّرادقِ، وإن يطلبوا الغوثَ بطلب الماء يؤتَ لهم بماءٍ عكرٍ أسود يحرقُ الوجوه لشدة غليانه.
{بِئْسَ الشراب وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً..}
ما أقبح ذلك الشرابَ، ويا لَسوءِ النار وسرادقها مكانا للارتفاق والاتكاء.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7